رأت دراسة عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات «مداد» أن «حدث كورونا» بالنسبة لسوريّة، يمثلُ تهديداً وفرصة في آن.
واعتبرت أن الحكومة السورية، أمام تحدي تدابير الإجراءات والسياسات المتخذة حيال خطر «الفايروس»، الصحية وغير الصحية، والالتزام بتأمين تدفق مناسب للسلع والخدمات والاحتياجات، مثل المواد الطبية والغذائية، وضبط التلاعب بأسعارها، وخدمات الاستشفاء والنقل والاتصال والتعليم والعمل والأمن، إلخ، في حال استمر تهديد الفايروس مدّة طويلة، أو انتشر بكيفية أو بأخرى في البلاد.
وأشارت إلى أن هذا يمكن أن يخفف من أي تداعيات أو تأثيرات محتملة للفايروس، كما أن له تداعيات ذات دلالة عميقة بالنسبة لمدارك المجتمع حيال السياسات العامة للدولة، وحيال البعد الحيوي/الحياتي في سياسات الأمن الوطني، وحيال مقام الدولة نفسها.
ولفتت إلى أن الخطر أو التهديد يمكن أن يمثّل «عامل إنتاج» لـ «روح جمعية» أو «روح الاجتماع» لدى السوريين، وفرصة لـ «تفكيك النمط» الناتج عن الحرب وربما ما قبل الحرب، و«تجديد السياسة» في بعدها الاجتماعي والوطني؛ ويمكن تركيز ذلك في نقاط رئيسة منها تغيير المدارك والصور النمطية لدى الناس عن الدولة، و«تجسير» الاختلالات والفجوات الحاصلة على صعيد العلاقة بين المجتمع والدولة. وتغيير المدارك والصور النمطية لدى الدولة عن نفسها، وعن وضعها، ومدارك الأمن والتهديد-الفرصة لديها، مع إمكانية التدخل في أنماط القيم لدى المجتمع، والتأثير فيها، نحو مقاصد وغايات أكثر اندماجاً وتماسكاً، ولو أنَّ ذلك مشروطٌ بامتلاك الرؤية والقصد والهمة والقابلية، وتدبير السبل والوسائل الممكنة والناجعة.
وأكدت الدراسة التي حصلت «الوطن» على نسخة منها أن حدث الفايروس، والحدث السوري ككل، يمثل مناسبة لـ «إعادة التفكير» في «السياسات الحيوية» أو «الحياتية» بوصفها أحد المداخل اللازمة لـ «إعادة بناء» السياسة والمجال السياسيّ والاجتماعيّ والدولة في المرحلة المقبلة. والمقصود هنا هو السياسات المتعلقة بشروط الحياة، وأمن الإنسان، والصحة، والزواج والولادة، وتزايد-تناقص السكان، والهجرة، والديموغرافيا، وحكم القانون في بعده الاجتماعي والجنائي، إلخ.
منوهة بأن ذلك يتطلب مراجعة معمّقة –ما أمكن– لسياسات وخطط وإستراتيجيات وتقديرات ورؤى الأمن الوطني، وخاصة ما يمثل تهديداً، وما يمثل فرصةً، على اعتبار تغير مصادر التهديد وأنماط ووسائل وأدوات الاستهداف المحتمل من الأعداء.
رؤية وطنية
ونوهت بأنه يمكن تركيز الخطوط العامة لـ «استجابة وطنية» حيال «حدث الفايروس» والتهديدات ذات الصلة، وهي جزء من سياسات الأمن الوطني، في نقاط رئيسة منها وضع سياسات تهدف لإدارة المجال أو الفضاء العام، من خلال تقصي مصادر السلوك الاجتماعي خلال الأزمات. وتنمية قطاعات الصحة، والخدمات الطبية، والتعليم والبحث الطبي والصحي، والبحوث والتقانات الحيوية (البيو-تكنولوجي) والبيئة، مع ضرورة «الرقمنة» و«الحوكمة» الشاملة للحياة والحياة العامة، من صحة وتعليم وخدمات عامة وعمل وتجارة ونقل واتصال، إلخ، ما يجعل الأمور أكثر قابلية للمتابعة والضبط والتحكم، ويساعد في تدبير السياسات اللازمة حيالها، وخاصة في أوقات الأزمات.، ومراجعة خطط التنمية الكلية والقطاعية والجهوية، باعتبار تجربة الحرب، على أساس الفحص عن إمكانية وجود بدائل مختلفة للعمل على طرق النقل والإمداد والموارد، إلخ. وتغيير عادات وقيم العمل والإنتاج والاستهلاك ما يساعد في بروز روح المبادرة والإنتاج الخلّاق، ويقلل من الفاقد والهدر الماديّ والمعنويّ، ويعزز حكم القانون ويقلل ما أمكن من الفساد.، وتغيير العادات الصحية وتدابير السلامة الخاصة والعامة.
وشددت الدراسة على ضرورة إظهار أكبر قدْر ممكن من الاهتمام والجدية والمتابعة لأي مظهر أو موقف يمكن أن يؤثر في الرأي العام، ذلك أنَّ «حدث الفايروس» هو «صورة» ربما أكثر مما هو واقع!
عدّ التهديد مسألة أمن وطني، يتطلب تضافر وحشد جميع الجهود –الرسمية والأهلية– من أجل مواجهته أو احتواء أي انتشار محتمل له.
وأكدت ضرورة اتخاذ التدابير العملية حيال التداعيات المحتملة على بيئة العيش والعمل، وخاصة للأشخاص الذين يمكن أن يتأثروا بصورة مباشرة بالإجراءات المتخذة، مثل الناس الذين ليس لديهم مصدر دخل منتظم، إلخ، واتخاذ إجراءات وقرارات تحفيزية للعاملين في قطاعات تتطلب طبيعتها استمرار العمل فيها مثل: المستشفيات والمراكز الطبية والدوائية، الكهرباء، المخابز، النقل، إلخ.، منوهة بضرورة التركيز على إسهام المجتمع الأهلي والقطاع غير الحكومي، وخاصة القطاع الديني بما يملكه من موارد مادية ومعنوية، والقطاع الخيري والتطوعي. والتركيز على إسهام السوريين في الخارج، وإزالة أي عقبات بيروقراطية أو غيرها يمكن أن تعيق ذلك. ومن المحتمل أن يمثل ذلك مدخلاً مناسباً لتعزيز الاهتمام وتنشيط عوامل الارتباط المعنوي والمادي بالوطن، والتركيز على إسهام نشط وفعال من قطاع المال والأعمال، كجزء من المسؤولية الاجتماعية حيال المجتمع والدولة.
وأضافت: ومن ذلك مثلاً أن يعمل رجال المال والأعمال –ومنهم القطاع الخاص الطبي من مستشفيات وشركات للصناعات الطبية والدوائية، إلخ– على تجهيز ودعم مراكز خدمات ورعاية صحية، ودعم الجهود ذات الصلة، لكن بإشراف حكومي، مع ضرورة ضبط عمليات الاستغلال غير القانوني من «تجار الحرب» لأي أزمة محتملة في الخدمات العامة وتدفقات السلع والخدمات إلى الأسواق.
إرسال تعليق