الصيام
يُعدّ شهر رمضان الشهر الأقدس في التقويم الإسلاميّ، إذ يمتنع فيه المُسلمين عن الطعام والشراب والعلاقات الزوجية والتدخين، منذُ طُلوع الفجر وحتى غروب الشمس لفترة بين 29 إلى 30 يوماً؛ وهذا ما يُسمّى بالصيام، حيث تحدث خلال هذا الشهر عدد من التغيّرات العميقة في العادات الغذائيّة؛ كاستهلاك وجبة كبيرة واحدة بعد غروب الشمس، ووجبة خفيفة قبل الفجر، بينما يقلّ عادة النشاط البدنيّ والنوم في الليل خلال شهر رمضان.
وتجدُر الإشارة إلى أنّ الدراسات التي أُجريت، أظهرت أنّ للصيام دورٌ في نُزول الوزن، وطول العمر، وبعض الحالات الصحيّة الأخرى، إذ إنّ تقييد الاستهلاك الغذائي وخاصّة الكربوهيدرات يُوجّه الجسم لاستخدام مَخازن الطاقة فيه لاستمرار النشاطات الأيضيّة، أي أنّ أيض الجسم يتغيّر من استخدام سكر الجلوكوز كمصدر رئيسيّ للطاقة إلى ما يُسمّى بفرط كيتون الجسم (بالإنجليزية: Ketosis)؛ وهي عمليّة حرق الأحماض الدُهنيّة المُخزَّنة في الجسم لاستخدامها كمصدر للطاقة، ممّا يُقلّل من الكتلة الدُهنيّة، ووزن الجسم، ويجدُر الانتباه إلى وجود اختلاف بين الصيام والتَضَوِّر جوعاً (بالإنجليزيّة: Starvation)؛ إذ إنّ التَضَوِّر جوعاً يَصِف حالة من النقص الغذائي المُزمن، أمّا الصيّام فيُمكن أن يمُدّ الجسم بالعديد من الفوائد الصحيّة المُختلفة.
فوائد الصيام لجسم الإنسان
قد يَحمل الصيام معه العديد من الفوائد الصحيّة المُثبتة علميّاً، والتي تمتدّ من زيادة فُقدان الوزن، وحتى تحسين وظائف الدماغ، وخاصةَ إذا صوحِب بنظام غذائي وأُسلوب حياة صحيّ، ومن هذه الفوائد ما يأتي:
مُقاومة الالتهاب: حيث يُعدّ الالتهاب الحادّ إحدى العمليات المناعيّة الطبيعيّة التي يستخدمها الجسم لمُقاومة العدوى، إلاّ أنّه في حال كان الالتهاب مُزمناً فإنّه يسبّب العديد من الأمراض المُزمنة، وقد أشار الباحثون إلى أنّه يمكن أن يؤدي لمشاكلِِ صحيّة، مثل: أمراض القلب، والسرطان، والتهاب المفاصل الروماتويدي (بالإنجليزية: Rheumatoid Arthritis)، ولكن يُمكن للصيام حسب بعض الدراسات أن يُساعد على التقليل من مُستويات الالتهاب، بالإضافة إلى تعزيز صحّة الجسم.
دعم وظائف الدماغ: حيث أوضحت بعض الدراسات التي أُجرِيَت على الحيوانات أنّه يُمكن للصيام أن يُساعد على حماية الدماغ، وزيادة إنتاج الخلايا العصبيّة؛ وبالتالي تعزيز الوظائف الإدراكية، بالإضافة إلى إمكانيّة المُساعدة على الوقاية من الإصابة بالاضطرابات التنكسيّة العصبيّة (بالإنجليزية: Neurodegenerative Disorders)؛ وذلك بسبب قُدرته على التخفيف من الالتهاب، كما يُمكنه الحماية من بعض الحالات المرضيّة وتحسين نتائجها العلاجية كمرض الباركنسون (بالإنجليزية: Parkinson's disease) ومرض الألزهايمر (بالإنجليزية: Alzheimer's disease).
المُساعدة على فُقدان الوزن: حيث يُؤدي الامتناع عن الطعام والشراب تلقائياً إلى التقليل من استهلاك السُعرات الحرارية؛ مما يزيد من سرعة فُقدان الوزن، ومن ناحية أخرى أظهرت بعض الدراسات أنّه يُمكن للصيام قصير المدى أن يُعزِّز من أيض الجسم عن طريق زيادة مُستويات الناقل العصبيّ الذي يُعرَف بالنورايبنفرين (بالإنجليزية: Norepinephrine)؛ مما يُحسن من فقدان الوزن، بالإضافة إلى أنّ الصيام يُعدّ أكثر فعاليّة في تحديد السُعرات الحراريّة في فُقدان الكتلة الدهنيّة والحفاظ على الأنسجة العضلية في الوقت ذاته، كما أظهرت بعض الدراسات الجديدة قدرة الصيام على مُقاومة السُمنة والمشاكل المُرتبطة بها؛ وذلك عن طريق زيادة مُستوى بروتين مُعيّن في الجسم يُمكنه أن يحمي من المتلازمة الأيضيّة (بالإنجليزية: Metabolic Syndrome)، والسكري، وأمراض الكبد، حيث يُعزَى هذا التأثير تحديداً إلى توقيت الوجبات في رمضان والفترة الزمنيّة بينهم، حيث صَرّح أحد الباحثين في هذا الشأن أنّه يُمكن أن يكون الصيام من الفجر وحتى المغرب أحد التدخلات الفعّالة للأشخاص الذين يُكافحون الأمراض المُرتبطة بالسمنة.
المُساهمة في خفض مُستويات الكوليسترول: حيث إنّ ذلك يحدث نتيجة لتغيّير أسلوب الحياة خلال شهر رمضان؛ فإنّ ذلك يعود بالتغيير أيضاً على بعض العلامات البيوكيميائية في جسم الإنسان؛ إذ أظهرت إحدى الدراسات التي أُجريت في عام 2002 على النساء والرجال، انخفاضاً مُلوحظاً في تركيز البروتين الدهني منخفض الكثافة (بالإنجليزية: LDL-cholesterol) أو ما يُعرَف بالكوليسترول الضارّ، وارتفاعاً مَلوحظاً أيضاً في تركيز البروتين الدُهني مُرتفع الكثافة (بالإنجليزية: HDL-cholesterol) أو ما يُعرَف بالكوليسترول الجيّد، في نصف رمضان وفي نهايته مُقارنة بمُستوياته قبل رمضان، حيث يُعزَى ذلك إلى قُدرة الصيام على التقليل من استهلاك الدهون، وبالتالي تقليل مُستويات الكوليسترول في الدم.
المُساهمة في الوقاية والعلاج من مرض السرطان: حيث أظهرت بعض الدراسات قُدرة الصيام على خفض مُقاومة الإنسولين، وخفض مُستويات الالتهاب، كما يُمكن أن يُساعد جسم الإنسان على مُقاومة مرض السرطان، بالإضافة إلى أنّه يُمكن للصيام أن يعكس تأثير بعض الحالات المُزمنة كالسُمنة، والسكري من النوع الثاني؛ إذ إنّ كلاهما يُعدّان عوامل خطر للإصابة بالسرطان، ومن الجدير بالذكر أنّه قد يزيد من استجابة خلايا السرطان للعلاج الكيميائي (بالإنجليزية: Chemotherapy)، وفي الوقت ذاته حماية خلايا الجسم منه، ممّا قد يُعزّز من عمل الجهاز المناعيّ في مُقاومة المُصابين للمرض.
الحفاظ على صحّة القلب: حيث يُعرَف الصيام بتأثيره الإيجابي على صحة القلب، ولكن حتى الآن لا يُعرف تحديداً سبب تلك العلاقة، إلاّ أنّ هنالك العديد من فوائد الصيام التي يُمكن أن تعود بالنفع على القلب، ومنها: امتناع الصائم عن التدخين، ممّا يُقلّل من خطر الإصابة بأمراض القلب، بالإضافة إلى منح الأشخاص تحكّماً بأنفسهم؛ مما قد يُحسّن من جودة اختيارات الأطعمة وضبط بالوزن، وتجدُر الإشارة إلى أنّه يُمكن للصيام أن يُحسِّن من طريقة استقلاب الكوليسترول والسكر، ممّا قد يُقلّل من عوامل الإصابة بأمراض القلب، مثل: اكتساب الوزن وتطوّر مرض السكريّ.
محاذير الصيام
على الرغم من الفوائد العَديدة التي قد يَمنحُها الصيام للجسم، إلاّ أنّه في بعض الحالات الخاصّة يُمكن أن يُسبّب ضرراً لبعض الأشخاص، كصيام مرضى السُكري الذين يتناولون بعض الأدوية التي تُؤدّي إلى نقص حادّ في مُستوى سكر الدم (بالإنجليزية: Hypoglycemia)؛ حيث يُمكن أن يُؤدي ذلك لمشاكل صحيّة حقيقية، بالإضافة إلى مُمارسة الرياضة أثناء الصيام؛ إذ يُمكن أن تؤدي أيضاً لنقص حادّ في مستويات سكر الدم، وبالتالي قد تُسبّب الدوخة، والارتباك، وتجدر الإشارة إلى أنّ صيام الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات الأكل (بالإنجليزية: Eating Disorders) قد يُسبّب بزيادة نَهَم الطعام بعد الإفطار، وأظهرت إحدى الدراسات التي أُجريت في عام 2014، والتي راجع فيها الباحثون عدداً من الأبحاث التي عُنِيَت بفوائد الصيام؛ أنّ فقدان الوزن الذي ازداد في شهر رمضان يُعاد اكتسابه في الأشهر التالية.
إرسال تعليق